في مشهد سياسي يزداد فيه نفور المواطنين من الوجوه التي أجهزت على الثقة العامة، تطل مريم وحساة، البرلمانية ورئيسة جماعة تيزي نسلي، كنموذج استثنائي يعاند السائد ويؤمن بأن السياسة ليست حرفة امتياز، بل التزام أخلاقي ومسؤولية أمام الناس والتاريخ.
في زمن التهافت على المال العام وتحوّله إلى غنيمة، اختارت وحساة أن تسلك طريقا مغايرا… لا تستخدم سيارة الجماعة، ولا تصرف درهما من ميزانيتها في تنقلاتها، بل تنفق من مالها الخاص لتؤدي مهامها داخل نفوذها الترابي… بلغة الأرقام، قد لا يحدث هذا فرقا كبيرا في موازنة الدولة، لكنه بلغة الأخلاق، يمثل صرخة في وجه من احترفوا امتصاص خزائن الجماعات والمجالس بكل ما أوتوا من جشع.
مريم لا تملأ الدنيا شعارات ولا تستعرض أخلاقها في الخطب، بل تمارس نزاهتها في الصمت، وتضع نفسها في خدمة المواطن لا على ظهره… إنها الوجه النقي لسياسة أنهكها الفساد، واستوطنها أصحاب المصالح الذين لا يتورعون عن اقتناص كل فرصة للاغتناء السريع، حتى لو كان الثمن خراب المدارس والمستشفيات والطرقات.
في المقابل، ما أكثر المسؤولين الذين لا يتنقلون إلا في مواكب ممولة من جيوب البسطاء، ولا يبرمون صفقة إلا بعد أن يحسبوا حصتهم منها… من جماعات محلية مفلسة، إلى مؤسسات جهوية تترنح تحت وطأة الاختلاس وسوء التدبير، المشهد قاتم، والمعاناة مزمنة، والضحايا دوما هم المواطنون.
آن الأوان لأن ترفع الكفاءة والنزاهة إلى مقام التقدير، لا أن يترك الشرفاء عرضة للتهميش، في حين يعلو نجم الفاسدين تحت مظلة “الذكاء السياسي”… التجارب مثل مريم وحساة، مهما بدت فردية، فإنها تشكل جدارا أخلاقيا في وجه السقوط العام… هي رسالة بأن هناك طريقا آخر ممكنا، وأن من يمتهنون الشفافية ليسوا قلة بالضرورة، ولكنهم في حاجة إلى دعم مجتمعي واع يميز بين من يخدم الوطن ومن يخدم نفسه.
فلعل صدى هذه المواقف يمتد ليوقظ ضمائر نائمة، وليدرك من اعتادوا نهب المال العام أن الزمن تغير، وأن المواطن صار يرى ويسمع ويفرز.
نعم، لا تزال في هذا البلد وجوه نقية، تقاوم في صمت، وتعيد إلى السياسة معناها الشريف.
Sorry Comments are closed