أثار ملف محمد أمين برجال، الذي ينظر فيه حاليا أمام المحكمة الابتدائية بالناظور، جدلا قانونيا واسعا، مسلطا الضوء على جملة من التساؤلات حول مدى التزام النيابة العامة بحدود اختصاصاتها، وحماية القضاء لحقوق المتهمين، في ظل قرارات حديثة لمحكمة النقض.
قرارات محكمة النقض: رسائل واتساب والخبرة التقنية
تكمن الإشكالية في هذا الملف في نقطتين محوريتين: أولاهما، طبيعة المراسلات عبر تطبيق “واتساب” ومدى اعتبارها جريمة “تشهير”.. فبحسب قرار محكمة النقض رقم 3/2095 الصادر بتاريخ 4 دجنبر 2024، فإن المراسلات الخاصة بين أطراف محددة لا يمكن أن تشكل جريمة تشهير، وذلك لغياب “عنصر العلنية” الذي يعتبر ركنا أساسيا في هذه الجريمة.
حيث رغم وضوح هذا المبدأ، يبدو أن تعليمات صدرت من النيابة العامة بإجراء خبرة تقنية على محادثات خاصة في هذا الملف، ما يثير تساؤلات حول مدى الأخذ بهذه الاجتهادات القضائية.
أما النقطة الثانية، فتتعلق باختصاص إجراء الخبرة التقنية على الهواتف، فقد أكدت محكمة النقض في قرارها رقم 3/2139 بتاريخ 11 دجنبر 2024، أن هذا الإجراء يعد اختصاصا حصريا لقضاة التحقيق أو محاكم الموضوع، ولا يمكن للنيابة العامة أن تصدر تعليمات مباشرة بشأنه إلا في حالات استثنائية وبأمر قضائي صريح، حيث يبدو أن وكيل الملك بالناظور قد تجاوز هذا الاختصاص، ما قد يضع شرعية الأدلة التي تم جمعها في هذا الملف على المحك.
القضاء الناظوري: هل يبحث عن الإدانة؟
تضع هذه القضية القضاء بالناظور أمام امتحان حقيقي، حيث يرى بعض المراقبين أن هناك ميلا واضحا وفاضحا نحو الإدانة، وهو ما يثير قلقا بشأن مبدأ قرينة البراءة الذي يعتبر حقا دستوريا للمتهم، فالمشرع المغربي يؤكد أن الشك يجب أن يفسر دائما لصالح المتهم، وأن القاضي ملزم بالتحقق من ثبوت الجريمة بشكل قاطع قبل إصدار حكم بالإدانة.
كما أن هذا التوجه نحو الإدانة السريعة قد يؤثر بشكل مباشر على مشكلة الاكتظاظ في السجون، حيث تتحول بعض الاجتهادات القضائية إلى أدوات لتأكيد الإدانة بدلا من حماية الحقوق الأساسية للمتهمين.
وقد يعد ملف محمد أمين برجال مثالا حيا على نقاط الضعف التي قد تشوب التطبيق العملي للمسطرة الجنائية:
1- تجاوز الاختصاصات: حيث يبدو أن النيابة العامة قد أصدرت تعليمات مباشرة بإجراء خبرة تقنية، رغم أن القانون يحدد ذلك حصريًا لقضاة التحقيق.
2- تجاهل ركائز الجريمة: حيث لا تحقق المراسلات الخاصة عنصر العلنية اللازم لجريمة التشهير.
3- الميل نحو الإدانة: وهو توجه قد يضعف الثقة في المنظومة القضائية ويزيد من أعداد المعتقلين.
ويظل السؤال الأهم مفتوحا: هل سيتمكن القضاء بالناظور من استعادة التوازن، والعمل وفقا لمبادئ العدالة التي تقتضي حماية حقوق المتهمين، أم ستستمر هذه الممارسات التي تضع وكيل الملك نفسه في قفص الاتهام القانوني والأخلاقي؟