في مشهد يعكس مرة أخرى أن السياسة لا تقي من غضب الطبيعة، ضربت فيضانات مدمرة عددا من الولايات الشمالية في الجزائر خلال اليومين الأخيرين، متسببة في مآس إنسانية وخسائر مادية جسيمة، مياه الأمطار الغزيرة اجتاحت الشوارع، وجرفت السيارات، وغمرت البيوت، تاركة وراءها صورا موجعة لفوضى لم تقابل إلا بصمت رسمي مريب وتقصير متكرر في البنية التحتية والتدبير الوقائي.
لكن ما يثير الألم أكثر من السيول، هو ما قاله سابقا رئيس الجزائر، عبد المجيد تبون، حين ضربت كارثة مماثلة جارهم المغرب، آنذاك، لم يظهر تبون أي تعاطف أو حتى دبلوماسية، بل قال ساخرا أمام عدسات الإعلام: “الحمد لله الذي نجانا وأغرق فرعون”، في إسقاط خبيث لا يليق برئيس دولة، وكأن الكوارث الطبيعية تصيب فقط من يستحقون العقاب الإلهي، وكأن “فرعون” في ذهنه كان مغربا أو شعبا لا يستحق الرحمة.
واليوم، ها هي السماء تمطر فوق رؤوس الجزائريين، وتغرق شوارعهم، وتفجع عائلاتهم، وتجبر البعض على مغادرة منازلهم تحت جنح الظلام… أين هو ذاك “النجاة” الذي تباهى به عمي تبون؟ وأين هي الدولة التي من المفترض أن تستبق هذه الكوارث بخطط واستعدادات بدل أن تبقى تتفرج حتى تغرق هي وشعبها في وحل الإهمال؟
الطبيعة لا تفرق بين مغربي وجزائري، والفيضانات لا تنتظر تصاريح سياسية لتضرب… لكن الشعوب لا تنسى من شمت في مآسي غيره، واليوم، يتردد صدى كلمات تبون ولكن في الاتجاه المعاكس: “الحمد لله الذي أغرق فرعون”… فكم من فرعون يعيش في القصور ويتجاهل آهات الذين غمرهم الطين وهم على أعتاب بيوتهم؟
إن ما يحدث في الجزائر اليوم ليس مجرد فيضانات، بل طوفان أخلاقي يفضح هشاشة السلطة وقسوة الذاكرة، أما أنت، يا عمي تبون، فاعلم أن الشماتة في المصائب لا تليق إلا بالضعفاء … أما الشعوب، فهي تقاوم الماء والتراب، لكنها لا تنسى السخرية ولا تغفرها.
Sorry Comments are closed