أزاحت قضية توقيف المدعو محمد أمين برجال، المعروف بلقب “مامي”، الستار عن معطيات خطيرة وغير متوقعة، بعد أن اتهمته النيابة العامة لدى المحكمة الابتدائية بالناظور بالحصول على مبالغ مالية عن طريق التهديد بنشر معطيات مخلة، إلى جانب النصب والتشهير وبث وقائع كاذبة تمس بالحياة الخاصة.
غير أن أخطر ما ورد في التحقيقات، هو ما صرح به الأشخاص يدعى توفيق سرسر، والذي أقر أمام الضابطة القضائية أنه سلم مبالغ مالية هامة للمتهم، بغرض حذف مواد إعلامية كانت موجهة ضده… هذا الإقرار الصريح يفتح الباب على تساؤلات جوهرية تتجاوز طابع الابتزاز، وتمس جوهر ما تم التستر عليه مقابل تلك الأموال.
إذ أن التصريح بدفع المال، خارج أي مسطرة قانونية، يطرح بحد ذاته شبهة قانونية قد لا تقل خطورة عن فعل الابتزاز ذاته… فالسؤال الذي يفرض نفسه اليوم هو: لماذا دفع توفيق سرسر المال؟ وما هي طبيعة القضية أو المعطيات التي خشي من نشرها إلى درجة دفعه أموالا هامة؟
وإن كان بالفعل ضحية لابتزاز، كما حاول الإيحاء بذلك خلال التحقيق، فلماذا لم يتوجه مباشرة إلى القضاء؟ ولماذا اختار الصمت والدفع، بدل سلوك المساطر القانونية لحماية نفسه؟ ثم، إن كان فعلا بريئا، ما الذي جعله ينهار ويقر بتقديم المال؟ وما نوع الملف الذي تسبب له بهذا الذعر؟
هذه التساؤلات ليست من باب الإثارة أو الافتراض، بل من صميم العمل القضائي السليم، فالإقرار بدفع المال تحت التهديد لا يفترض أن ينظر إليه بمعزل عن دوافعه… فهل كانت هناك وثائق؟ صور؟ تسجيلات؟ معطيات مهنية؟ وما مدى خطورتها؟ وهل يعقل أن تنتهي المتابعة عند حدود الفاعل المباشر (مامي) دون التوسع في البحث مع الطرف الذي اعترف طوعا بكونه طرفا في المعادلة؟
فمن هنا، يبرز تساؤل مشروع موجه للنيابة العامة: هل تم الاكتفاء بمتابعة المتهم الرئيسي دون التعمق في خلفيات القضية التي كانت موضوع الابتزاز؟ وهل تم فتح تحقيق مواز في ما إذا كان توفيق سرسر يخفي مخالفات مهنية أو شخصية سعى لإخفائها بدفع المال؟ وهل يعتبر ما قام به مجرد استجابة لضغط نفسي؟ أم محاولة لتفادي انكشاف ما لا يمكن تبريره أمام القانون والرأي العام؟
إن قضية “مامي” تبدو اليوم، من خلال اعترافات أحد الضحايا المفترضين، أنها لم تكن مجرد حادثة ابتزاز عادية، بل مدخلا لكشف علاقة معقدة بين النفوذ الإداري والتستر والتواطؤ والصمت المدفوع… والمتابعة القضائية لا تكتمل إلا إذا تم التحقيق في الأسباب الحقيقية التي دفعت هذا الموظف إلى الدخول في علاقة مالية مع شخص يتابع بتهم خطيرة.
لقد آن الأوان لطرح السؤال بوضوح: ما هي القضية التي ابتز فيها توفيق سرسر؟ وهل ستفتح النيابة العامة هذا الباب، أم أن الملف سيغلق دون الوصول إلى الحقيقة الكاملة؟
Sorry Comments are closed