هشام أسباعي يكتب: المنظومة الصحية بالمغرب … عندما تخطب الذئاب وتصفق النعاج

هشام أسباعي يكتب: المنظومة الصحية بالمغرب … عندما تخطب الذئاب وتصفق النعاج
الريف 2420 يوليوز 2025Last Update : شهرين ago

مقال من صفحة الناشط الحقوقي هشام أسباعي:

اليوم، وعلى إثر وعكة صحية مفاجئة ألمت بي، اضطررت للذهاب إلى المستشفى هنا بإسبانيا لتلقي العلاجات الضرورية… بعد الفحص من طرف الطبيب الرئيسي لقسم المستعجلات، تم وصفي بثلاث علب أدوية تختلف في مهامها الطبية حسب حالتي… خرجت من المستشفى، وتوجهت مباشرة إلى صيدلية من الصيدليات التي تنواب في الحراسة، كون اليوم هو يوم عطلة، وذالك لاقتناء الأدوية.

طلبت من الصيدلي استخراج فاتورة باسمي، ففعل، ثم طلب مني دفع مبلغ: 3,49 يورو فقط، فقط، فقط… أي ما يعادل تقريبا 35 درهما مغربيا… المبلغ بسيط أليس كذالك؟؟ لكن ما زاد دهشتي أكثر أن هذا المبلغ قابل للاسترجاع بالكامل في إطار التغطية الصحية العامة، مما يعني أن العلاج الطبي هنا مجاني 100%، والكرامة محفوظة كذالك….

لكن بينما أنا أغادر الصيدلية، تبادر إلى ذهني خطاب لحسن السعدي، كاتب الدولة لدى وزير الصناعة التقليدية، خلال المؤتمر الجهوي للشبيبة التجمعية بالناظور، الأمس، حين تحدث ـ وبكل ثقة ـ عن “الأشواط الكبيرة” التي قطعتها الحكومة في تطوير “المنظومة الصحية بالمغرب”… لحظتها، لم أتمالك نفسي من الضحك🤣🤣🤣، لا سخرية من الرجل، بل من حجم التناقض بين كلامه وبين الواقع المر الذي يعرفه كل مغربي.

بدافع الفضول، قمت ببحث سريع في مواقع مغربية حول نفس الأدوية التي وصفها لي الطبيب الإسباني… ووجدت أن ثمنها الأرخص في المغرب يبلغ حوالي 278,50 درهما، دون احتساب معاينة الطبيب، والتي تقدر رسميا بـ 150 درهما… بمعنى أن الحالة نفسها التي كلفتني هنا في إسبانيا 0 درهم، قد تكلف المواطن المغربي البسيط ما لا يقل عن 428,50 درهما… هذا إن حالفه الحظ في إيجاد الدواء متوفرا، وفي مستشفى عمومي غير منهك، وفي ظروف تحفظ كرامته…

وهنا أطرح السؤال الذي لم أجد له جوابا:
ما هي هذه الدولة الاجتماعية التي يتحدث عنها السعدي؟
وأي أشواط قطعتها الحكومة؟
هل أصبحنا نقيس التقدم بالشعارات بدل الخدمات؟ وهل يكفي أن نطلق عبارات رنانة حتى نقنع بها المواطن الغارق في دوامة الفقر والمرض والتهميش؟

الأنكى من ذلك أنني ـ كأي متتبع بسيط ـ لاحظت أن هناك من لا زال يصفق بحرارة لهذه الخطب المستفزة، التي لا تلامس الواقع لا من قريب ولا من بعيد. ط… وصدق من قال: الذئاب تخطب… والنعاج تصفق.

وللعلم فقط، لم أتحدث هنا عن المعاملة الإنسانية التي حظيت بها في المستشفى الإسباني، والتي وحدها تشعرك أنك في بيئة تحترمك كإنسان، قبل أن تكون مريضا… وهذا في حد ذاته فرق حضاري لا يقاس لا بالميزانيات ولا بالإصلاحات الهيكلية، بل بمنظومة قيم تغيب تماما في خطاب من يزعمون تمثيل الدولة الاجتماعية في المغرب.

فلنكن واقعيين… المغرب لا يعاني من ضعف في الإمكانيات فقط، بل من انفصام مزمن بين الخطاب الرسمي والواقع اليومي، ومن مسؤولين يجيدون الكلام أكثر من الإصغاء، ويبرعون في التجميل بدل المواجهة.

Short Link
Comments

Sorry Comments are closed

Breaking News