لم تمر ساعات على تداول خبر وفاة “غامضة” لأحد نزلاء السجن المحلي بالناظور، مساء الجمعة 18 يوليوز، حتى سارعت إدارة المؤسسة إلى إصدار بلاغ رسمي تزعم فيه أن الوفاة كانت “طبيعية” وخالية من أي ملابسات مريبة…. غير أن هذه السرعة في الرد، بدل أن تبدد الشكوك، عمقت الريبة، وكشفت من حيث لا تدري عن أزمة ثقة أعمق: أزمة الشفافية.
البلاغ الصادر صبيحة السبت بدا أقرب إلى بيان دعائي منه إلى تواصل مؤسسي مسؤول… حيث لجأت الإدارة إلى ربط الوفاة بمرض مزمن في الحنجرة، مع تكرار إشارات إلى “المتابعة الطبية المنتظمة” و”نقل السجين للمستشفى”، دون تقديم أدلة موثقة، أو تقارير طبية رسمية، أو شهادات مستقلة تعزز هذه الرواية.
الأخطر من ذلك، أن المؤسسة لجأت إلى لغة دفاعية هجومية، تصف ما يتم تداوله بـ”الادعاءات غير الموثقة”، في محاولة مكشوفة لسحب الشرعية عن النقاش المجتمعي بدل مواجهته بالحقيقة… وهذا الأسلوب بات مألوفا في قواميس بعض المؤسسات التي تخلط بين الواجب الإداري و”التسويق الإعلامي”.
إن محاولة تحويل حادث وفاة داخل مرفق عمومي حساس إلى مناسبة لتقديم “عرض علاقات عامة”، لا يمكن إلا أن يفهم على أنه رد تكتيكي مدروس، هدفه كتم الحقيقة لا كشفها… فالأسئلة الجوهرية لا تزال قائمة:
لماذا لم يعلن عن الوفاة رسميا قبل تداولها عبر المنصات؟ لماذا لم ينشر تفاصيل التقرير الطبي الشرعي؟
ما الذي يبرر عودة مريض في وضع حرج من مستشفى جامعي إلى السجن في نفس اليوم؟
إن غياب هذه الأجوبة يسقط البلاغ في تناقض واضح مع الواقع، ويفرغه من مصداقيته… كما أن هذا النوع من البيانات السريعة، دون تحقيق شفاف أو تدخل جهات مستقلة، لا يطمئن الرأي العام، بل يرسخ شعورا بأن المؤسسات تشتغل بمنطق إطفاء الحرائق، لا احترام الحق في المعلومة.
في قضية تمس حياة إنسان داخل مؤسسة عمومية، المطلوب ليس بلاغا إعلاميا منسقا على موقع إشهاري، بل تحقيق قضائي نزيه، وتشريح طبي مستقل، وتواصل يحترم عقول المواطنين.
Sorry Comments are closed