في الوقت الذي تتسع فيه دائرة النقاش العمومي حول حرية التعبير ودور الصحافة الجادة في مراقبة أداء المسؤولين، يطفو إلى السطح سؤال محوري: هل سيتدخل الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة الجديد، السيد هشام بلاوي، لتقنين المتابعات التي تستهدف الصحفيين المهنيين والنشطاء بسبب انتقاداتهم لأداء بعض المسؤولين، ضمنهم وزير العدل عبد اللطيف وهبي؟
هذا السؤال لم يعد ترفا قانونيا، بل بات مطلبا ملحا في ظل اتساع رقعة المتابعات القضائية التي تفتح أحيانا باجتهاد خاطئ من بعض وكلاء الملك، استنادا إلى الفصول 447-1 و447-2 و447-3 من القانون الجنائي، رغم أن هذه الفصول تتعلق صراحة بحماية الحياة الخاصة للأفراد، وليس أدائهم المهني أو مسؤولياتهم الإدارية.
والغريب في الأمر أن وزير العدل نفسه، عبد اللطيف وهبي، وهو محام قبل أن يكون وزيرا، يبدو أنه أخطأ في التقدير القانوني حين لم يميز بين حياته الخاصة وحياته السياسية والإدارية، واختار أن يلوح بمساطر قضائية ضد منتقديه، في محاولة واضحة لتكميم الأفواه بدل تقديم أجوبة عن فشل أو اختلالات في التسيير.
وهبي، الذي واجه انتقادات حادة من قبل عدد من الصحفيين والنشطاء بخصوص طريقة إدارته لقطاع العدل، لم يرد بالحجة أو الحوار، بل آثر – حسب بعض المعطيات – التلويح بورقة المتابعة القانونية، محتميا بصفته الوزارية، رغم أن القانون لا يخول لأي مسؤول استعمال صفته المهنية في دعاوى تخصه شخصيا.
وإذا كانت الفصول 447 جاءت لحماية الحياة الخاصة من التعدي الرقمي أو التشهير، فإنها لا يمكن أن تستخدم كأداة لإسكات الأصوات المنتقدة لمسؤولين عموميين، لأننا هنا لا نتحدث عن صور داخل بيوت أو تسجيلات حميمة، بل عن ملاحظات وانتقادات تهم التدبير العمومي، وتندرج في صلب حرية التعبير التي يكفلها الدستور المغربي في فصله 25.
ولعل تعيين هشام بلاوي على رأس النيابة العامة، من طرف جلالة الملك محمد السادس، يفتح باب الأمل في مراجعة هذه الممارسات، عبر إصدار مذكرة توجيهية واضحة إلى جميع وكلاء الملك، تنص على ضرورة احترام مبدأ التناسب بين النص القانوني وسياق المتابعة، والتفريق الصارم بين ما هو مهني وما هو خاص.
فليس من المقبول أن يعامل الصحفي أو الناشط كـ”مجرم إلكتروني” لمجرد أنه تساءل عن صفقات مشبوهة أو قرارات مرتجلة أو تدبير فاشل لمسؤول ما، فالمؤسسات تبنى على النقد والتصويب، لا على الحصانة والتهديد.
ويبقى السؤال معلقا في انتظار الجواب من المؤسسة القضائية: هل ستنتصر النيابة العامة للحق في التعبير والنقاش العمومي، أم ستبقى بعض فصول القانون تستعمل كفزاعة لإخراس الصحفيين؟
Sorry Comments are closed