كشف مصدر قضائي رفيع المستوى من داخل محكمة الاستئناف بالناظور أن الملف الذي تطرق إليه الموقع في المقال المتعلق بالمتهم التهامي بوعزي لم يكن مجرد قضية عابرة في تاريخ القضاء المحلي، بل كان شرارة أشعلت فتيل خلاف غير مسبوق بين الرئيس الأول للمحكمة ونقيب المحامين بالناظور، بعد أن قرر الرئيس إحالة الملف برمته على المجلس الأعلى للسلطة القضائية بالرباط.
وبحسب المعطيات نفسها، فإن الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بالناظور طالب المجلس الأعلى بإيفاد لجنة تفتيش قضائية خاصة إلى المحكمة من أجل التحقيق في ملابسات إصدار الحكم المثير للجدل الصادر بتاريخ 12 نونبر 2024 في الملف الاستئنافي عدد 894/2601/2024، والذي ألغى الحكم الابتدائي القاضي بإدانة التهامي بوعزي بعشر سنوات حبسا نافذا وغرامات مالية ضخمة، مكتفيا بعقوبة ستة أشهر حبسا نافذا وغرامة 300 درهم فقط، مع إرجاع الكفالة المالية للمتهم.
اللجنة، التي حلت بمحكمة الاستئناف أواسط السنة المنصرمة، أنجزت تقريرا مفصلا خلص إلى اتخاذ قرارات حاسمة وصارمة، تمثلت أساسا في توقيف المستشار القضائي الذي أصدر الحكم عن مزاولة رئاسة الهيئة، إضافة إلى توقيف عدد من المسؤولين بالمحكمة ممن تبين وجود تقصير أو تجاوزات في مسار الملف.
هذا التطور غير المسبوق فجر أزمة عميقة داخل محكمة الاستئناف، حيث اعتبر نقيب المحامين بالناظور ومعه مجموعة من الأطراف المتداخلة في الملف أن خطوة الرئيس الأول بإحالة القضية على المجلس الأعلى “استهداف مباشر” لعدد من المحامين والقضاة المتورطين بشكل غير مباشر في القضية… حيث تشير المعطيات نفسها إلى أن هذه الأطراف شنت حملة ضغط قوية ضد الرئيس الأول في محاولة لمحاصرته وإضعاف نفوذه، إلى حد وصفها بـ “الأخطبوط المنظم” الذي يقوده أحد القضاة البارزين المنحذر من مدينة الحسيمة.
لكن الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بالناظور، بحسب نفس المصدر القضائي، تمسك بخط الدفاع القانوني ورفض الخضوع لأي ضغوط أو مساومات، مؤكدا أنه اختار تطبيق القانون على حساب إرضاء “بعض الفاسدين” الذين حاولوا توجيه الملف في اتجاه يخدم مصالحهم.
القضية لم تعد اليوم مجرد نزاع قضائي حول التهامي بوعزي، بل تحولت إلى معركة نفوذ وصراع مصالح داخل أروقة محكمة الاستئناف، بين تيار يسعى لتكريس الشفافية والنزاهة وتيار آخر يحاول حماية مكتسباته وشبكاته داخل الحقل القضائي.
مصادر مطلعة تؤكد أن المجلس الأعلى للسلطة القضائية لا يزال يتابع تداعيات الملف عن كثب، وأن القرارات التأديبية الصادرة عن اللجنة التفتيشية قد تكون مجرد بداية لسلسلة من الإجراءات الأوسع، خصوصا في ظل ما يوصف بأنه “اختبار حقيقي” لمصداقية القضاء بالناظور وقدرته على مواجهة الضغوط السياسية والاقتصادية المحيطة بملفات المخدرات الكبرى.
Sorry Comments are closed