شهدت أروقة محاكم الناظور واحدة من أكثر القضايا إثارة للجدل خلال السنوات الأخيرة، بعدما أوقفت الشرطة الدولية “الأنتربول” البارون المثير للجدل التهامي بوعزي يوم 17 أكتوبر 2023 بمدينة دوسلدورف الألمانية، بناء على مذكرة بحث دولية صادرة عن السلطات الأمنية المغربية.
وقد وجهت إليه تهم ثقيلة تتعلق بالاتجار الدولي في المخدرات الصلبة والمعلوسة وتبييض الأموال، إضافة إلى علاقته بكميات ضخمة من حبوب الهلوسة التي حجزتها مصالح أمن زايو بالناظور، وارتباط اسمه بشبكة خطيرة تضم أسماء نافذة بالجهة الشرقية من بينها عبد الرحيم بعيوي رئيس جماعة عين الصفا وشقيقه عبد النبي بعيوي رئيس جهة الشرق، وكذا البارون المعتقل محمد بنبراهيم الملقب بـ “المالي”.
وبعد تسليمه إلى السلطات المغربية، أصدرت المحكمة الابتدائية بالناظور بتاريخ 15 غشت 2024 حكمها في الملف الجنحي عدد 721/2103/2024، حيث قضت بإدانة التهامي بوعزي بعشر سنوات حبسا نافذا وغرامة مالية قدرها 50 ألف درهم، مع إلزامه بأداء مبلغ 40,298,664 درهمًا لفائدة إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة… حكم بدا في حينه صارما وصادما في الآن ذاته، عكس جدية القضاء في مواجهة مافيات المخدرات وطمأن الرأي العام بأن العدالة تسير في الاتجاه الصحيح.
لكن سرعان ما انقلبت المعادلة بشكل غير متوقع بعد ثلاثة أشهر فقط، حين أصدرت غرفة الاستئناف الجنحية بمحكمة الناظور بتاريخ 12 نونبر 2024 قرارها في الملف الاستئنافي عدد 894/2601/2024، حيث ألغت الحكم الابتدائي في معظم فصوله وقضت ببراءة التهامي بوعزي من جميع التهم المرتبطة بالمخدرات والتهريب وعدم التصريح بالعملات، مع إعلان عدم اختصاص المحكمة في مطالب إدارة الجمارك، والاكتفاء بالحكم بستة أشهر حبسا نافذا وغرامة مالية لا تتجاوز 300 درهم، إضافة إلى إرجاع الكفالة المالية للمتهم.
هذا التناقض الصارخ بين الحكمين أثار موجة من التساؤلات حول مسار العدالة في الناظور، إذ كيف يتحول ملف وصف منذ البداية بأنه من أخطر ملفات المخدرات في المغرب إلى حكم مخفف يكاد يعادل المخالفات البسيطة؟ وهل يعقل أن تتدخل الشرطة الدولية لتوقيف شخص بهذه الخلفية استنادا إلى مذكرة مغربية رسمية، ثم ينتهي الأمر إلى شبه براءة بعد جلسات قليلة أمام هيئة الاستئناف؟
قضية التهامي بوعزي لم تعد مجرد ملف جنحي، بل أصبحت اختبارا حقيقيا لمصداقية القضاء الناظوري أمام الرأي العام المحلي والوطني… فبين حكم ابتدائي أدان المتهم بعشر سنوات حبسا نافذا وتعويضات تجاوزت أربعين مليون درهم، وحكم استئنافي برأه من معظم التهم واكتفى بعقوبة لا تتجاوز ستة أشهر نافذة، يبقى السؤال الأهم معلقا: هل نحن أمام ثغرات قانونية استغلها الدفاع ببراعة، أم أن النفوذ الاقتصادي والسياسي كان له كلمته في قلب مسار هذا الملف؟
ما جرى يضع العدالة في الناظور أمام محك حقيقي ويطرح بحدة قضية الثقة في المؤسسات القضائية، خاصة في ملفات كبرى تتداخل فيها المصالح الاقتصادية والسياسية والأمنية.
Sorry Comments are closed