مرة أخرى، تطل علينا “الفرجة الرسمية” في حلة براقة، مهرجان دولي للفيلم بالحسيمة، ينظم للمرة الرابعة على التوالي تحت شعار “سينما الشباب”، وكأن شباب الريف باتوا لا يحتاجون إلا للكاميرا وزاوية تصوير جيدة كي يحلقوا فوق معاناتهم اليومية ويقتنعوا أن الحياة “فيلم قصير” يمكن مشاهدته قبل العودة إلى “كابوس الواقع”.
تعرض 29 فيلما من هنا وهناك، ونستقبل فنانين من جنسيات متعددة، ونحتفي بالسينما الفرنسية كـ”ضيف شرف”، بينما الضيف الحقيقي الذي لا يغادر الحسيمة أبدا هو البطالة والتهميش وانعدام الأفق، فشباب المنطقة لا يشاهدون أنفسهم على الشاشة، بل على قوارب الموت، يصارعون الأمواج للوصول إلى الضفة الأخرى، حيث الحياة لا تعرض في المهرجانات بل تعاش ولو تحت أنفاس الغربة.
كيف يعقل أن يتم تخصيص ميزانيات ضخمة لمهرجانات كهذه، في مدينة لا تزال تئن من جراحها، مدينة سحقت تحت وطأة الأزمة الاقتصادية، يقصى شبابها من الوظيفة العمومية، ويستثنى من فرص الاستثمار، وتحاصر أحلامه بين “الحريك” أو “المقاهي”، بينما تأتي وزارة الثقافة، وباقي القطاعات الرسمية، لتدعم “المتعة المؤقتة” بدل أن تدعم الحلول الدائمة.
إنه مهرجان لتلميع الواجهة، ولذر الرماد في العيون، ولبث رسالة مفادها أن الأمور على ما يرام … بينما الواقع ينزف، حيث كان من الأولى أن يحتفى بشباب الحسيمة من خلال مشاريع تنموية حقيقية، تكوينات، مناصب شغل، بنية تحتية صحية وتعليمية، لا عبر استيراد “سينما الآخرين” إلى مدينة بالكاد تشاهد النور.
لقد سئمنا المهرجانات التي تخدر الألم ولا تعالجه، والتي تنظم فقط لتزيين التقارير الرسمية، بينما تستمر معاناة الشباب مع الإقصاء والتهميش، في زمن أصبحت فيه الثقافة نفسها ضحية للفراغ المؤسسي، والاستغلال السياسوي.
فهل يعقل أن نعيش الموت قهرا، بينما يعرض علينا “فيلم حياة” على شاشة كبيرة؟
أم أننا فقط “كومبارس” في مشهد طويل من العبث الممنهج؟
الحسيمة لا تحتاج إلى “سينما الشباب”، بل إلى كرامة الشباب.
Sorry Comments are closed