من الغريب أن نجد اليوم بعض الأصوات التي تحاول ركوب أمواج التاريخ واقتطاع أجزاء من خطابات رسمية لتوجيه الإهانة لأبناء منطقة معينة، وكأن الذاكرة الجماعية قابلة للتلاعب بها بجرة لسان أو مقطع فيديو مدته ثوان.
ظهر مؤخرا أحد الأشخاص في تسجيل مصور وهو يصف أبناء الناظور بـ “الأوباش”، مستندا إلى خطاب الراحل الملك الحسن الثاني يوم 20 يونيو 1984، محاولا أن يجعل من كلام الملك دليلا على أن هذا الوصف يخص الريفيين وحدهم… لكن الحقيقة مختلفة تماما، ومن يقرأ التاريخ بعين محايدة يعرف أن هذا الادعاء لا يمت للواقع بصلة.
في ذلك الخطاب، وجه الحسن الثاني انتقاده إلى أربع مدن فقط: الناظور، الحسيمة، تطوان، والقصر الكبير… لكنه لم يصف سكان هذه المدن جميعا بـ”الأوباش”، بل كان يقصد فئة محدودة من المخربين الذين استغلوا احتجاجات ذلك الوقت لإحداث الفوضى.
الأحداث التي عرفها المغرب في يناير 1984 لم تكن انتفاضة عشوائية يقودها “أبناء الريف”، بل كانت نتيجة قرارات حكومية قاسية رفعت أسعار المواد الأساسية بشكل غير مسبوق… هنا تحركت الطبقة التعليمية، من أساتذة ومعلمين، لتنظيم الإضرابات ودفع الأطفال والطلبة إلى الشوارع للاحتجاج… ومن المثير للسخرية أن أغلب هؤلاء الأساتذة والمعلمين في تلك الفترة لم يكونوا من أبناء الريف أصلا، بل جاؤوا من الداخل ومن مدن بعيدة عينوا بهاه المدن.
بمعنى آخر، إذا أردنا اتباع منطق ذلك الشخص الذي يوزع الألقاب جزافا، فـ”الأوباش” الذين يقصدهم الملك آنذاك لم يكونوا بالضرورة من أبناء الريف، بل كانوا في الأصل من أبناء المناطق الداخلية التي كانت تسيطر على قطاع التعليم في المنطقة خلال الثمانينيات.
الاستناد إلى التاريخ واجتزاؤه بهذه الطريقة الرخيصة لا يسيء فقط إلى أبناء الناظور، بل يسيء إلى الحقيقة نفسها… خطاب الملك كان سياسيا وظرفيا، ولا يمكن بعد أربعة عقود أن نحوله إلى أداة للسب والشتم وتصفية الحسابات.
التاريخ ليس لعبة، ومن أراد أن يستعمله كسلاح عليه أن يكون شجاعا في مواجهة التفاصيل كاملة، لا أن يقتطع ما يخدم أهواءه ويطمس ما لا يناسبه… أبناء الناظور وأبناء الريف عامة دفعوا الثمن باهظا من دمائهم وكرامتهم خلال تلك الأحداث، وليس من المقبول اليوم أن يشهر ضدهم سلاح “الأوباش” لمجرد خلق بلبلة أو إثارة الفتنة.
Sorry Comments are closed