مرة أخرى، يسجل السجن المحلي الناظور 2 “سلوان” وفاة شاب في ظروف يلفها الغموض، لتتحول هذه المؤسسة إلى ما يشبه “مقبرة للأحياء”، في ظل تكرار الوفيات وسكوت رسمي يرقى إلى التواطؤ، مما يضع الجميع أمام مسؤوليات قانونية وأخلاقية صارخة، في مقدمتهم وزير العدل بصفته المشرف على قطاع السجون، طبقا لأحكام المادة 608 من قانون المسطرة الجنائية، وكذالك عامل إقليم الناظور كرئيس للجنة الإقليمية المكلفة قانونا بمراقبة أوضاع السجون، وفقا لمقتضيات المادة 620 من قانون المسطرة الجنائية.
فوفاة الشاب، التي لم تعلن تفاصيلها بعد، تأتي لتعمق الجرح المفتوح داخل جدران هذا السجن، وتدق ناقوس الخطر بشأن الانتهاكات الصامتة التي يتعرض لها السجناء، في ظل غياب المراقبة الجادة، وتواطؤ مجموعة من المتداخلين داخل وخارج المؤسسة.
فطبقا للمادة 620 من قانون المسطرة الجنائية، تعتبر السلطات القضائية والمحلية مسؤولة بشكل مباشر عن تتبع ظروف الاعتقال داخل المؤسسات السجنية، بما في ذلك زيارة السجون ومراقبة أوضاع النزلاء، وتناط بوزير العدل مهام الإشراف على الإدارة العامة للسجون، في إطار المسؤولية السياسية والإدارية للحكومة عن حماية الحقوق داخل الفضاءات المغلقة.
وإذا كان الصمت قد أصبح سياسة معتمدة في مثل هذه الملفات، فإن القانون لا يبيح هذا التجاهل، بل يحمل كل جهة مسؤوليتها، بما في ذلك وزارة العدل والسلطات الإقليمية، التي يفترض أن تفعل آليات الرقابة، لا أن تكتفي بدور المتفرج.
إن المأساة التي يعيشها سجناء سلوان، تتعارض جذريا مع التوجيهات السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، الذي قال في خطابه التاريخي خلال افتتاح السنة القضائية بأكادير سنة 2003:
“إن الأحكام الصادرة عن المحاكم، لا ينبغي أن تجرد المواطن من كرامته الإنسانية، أو تنتهك حقوقه الدستورية والقانونية، إلى ما ينص عليه القانون.”
فأين نحن اليوم من هذا التوجيه الملكي السامي؟ وأين هي الجهات المسؤولة عن ضمان الكرامة والحق في الحياة؟ وهل تحوّل السجن إلى منطقة خارج الدستور والقانون؟
وفي ظل هذا الوضع الكارثي، تتعالى الأصوات الحقوقية والصحفية المطالبة بفتح تحقيق نزيه ومستقل في ظروف الوفاة، وبمحاسبة كل المتورطين في استمرار هذا المسلسل الحزين من الإهمال والتعتيم.. فكرامة المواطن – حتى وإن كان خلف القضبان – حق دستوري لا يسقط بالتقادم ولا يسقطه السجن.
إننا اليوم أمام لحظة فارقة، تتطلب الشجاعة في تسمية الأمور بمسمياتها، ومواجهة الواقع دون تجميل: السجون ليست أماكن للانتقام، بل فضاءات للتأهيل والكرامة… وكل تقصير في هذا الواجب هو جريمة أخلاقية وقانونية لا يمكن تبريرها.
Sorry Comments are closed