من عجائب هذا الزمن السياسي في المغرب، أن يصبح موقع “فيسبوك” أكثر إزعاجا للسلطة من مجلس النواب، وأن يتحول الرأي العام إلى تهديد، لا صوتا يحترم… في خضم الجدل المتصاعد حول فضيحة “فراقشية دعم استيراد المواشي”، خرج علينا لحسن السعدي، عضو المكتب السياسي لحزب التجمع الوطني للأحرار، بتصريحات لا تعكس إلا قلقا مموها بثوب الثقة، ومحاولة مكشوفة لتأطير الفضيحة داخل حدود “الشعبوية الفيسبوكية”.
السعدي لم يجد في نفسه الجرأة ليشرح للرأي العام كيف صرفت أموال الدعم، ولا من استفاد منها، ولا وفق أي معايير تم ذلك، بل اختار الأسلوب الأسهل: مهاجمة المعارضة، والتشكيك في نواياها، بل وتحقيرها بعبارات تلمح بأنها مجرد صدى لموجات “فيسبوك”… وكأن الشعب لا يحق له أن يغضب، ولا أن يطرح الأسئلة… وكأن الفضيحة في حد ذاتها ليست دعما مشبوها لمجهولين على حساب فلاحين صغار انهكهم الجفاف وغلاء الأعلاف.
أي موضوعية تلك التي يحدثنا عنها السعدي؟ وهل تغييب لجنة تقصي الحقائق وعرقلتها هو قمة في النزاهة؟ هل اتهام الناس باختلاق الأخبار الزائفة يعفي المسؤولين من تقديم معطيات دقيقة؟ أم أن كل من تساءل أو استنكر أصبح عدوا للدولة؟
والأدهى، أن الرجل أراد أن “يبشرنا” بأن ما تحقق من “إنجازات” سيكون شفيعا لحزبه في الانتخابات المقبلة… يا سيدي، هذا النوع من الخطاب الانتخابوي الرخيص هو بالضبط ما يفقد الناس ثقتهم في السياسة… فالأزمة ليست في ضعف المعارضة كما تزعم، بل في عناد الأغلبية، وتواطئها الصامت مع من ينهب باسم الدعم، ومن يمرر الصفقات باسم الاستيراد، ومن يتاجر في آلام المغاربة تحت غطاء “الإجراءات الحكومية”.
المواطن المغربي، يا سيادة النائب، لم يعد ساذجا… قد يصرخ على فيسبوك، لكنه يقرأ ما بين السطور… ولم تعد اتهاماتكم له بالشعبوية تخيفه، بل تزيده وعيا بأن هناك من لا يزال يعتقد أن “الحكم” هو فن التبرير، لا فن الإصلاح.
المطلوب اليوم ليس مهاجمة المعارضة، بل مصارحة الشعب… وليس تقزيم الغضب الشعبي، بل محاسبة من استباح المال العام في صفقات تدار في الظل… أما إذا ظننتم أن الصمت هو السبيل لتجاوز العاصفة، فاعلموا أن العاصفة هذه المرة رقمية، وشعبية، وممتدة، ولا أحد يملك رفاهية تجاهلها.
Sorry Comments are closed