تُعرّف السياسة بأنها “فن الممكن”، أي التعامل البراغماتي مع واقع معقد محكوم بالمصالح والتوازنات. وفي هذا الإطار، تتجلى “الواقعية السياسية” التي تبرر استخدام المراوغة أو الإخفاء لتحقيق نتائج إيجابية. لكن هذا المفهوم يتم تلوينه ليتحول إلى “فن الاستغلال والخداع “؛ فالسياسي اليوم يُقيَّم بالنتائج، وغالباً ما تُصبح الأساليب غير الأخلاقية – كالنفاق والوعود الكاذبة – هي الأداة الرئيسية، لا لتحقيق مصلحة وطنية، بل لضمان البقاء في السلطة والمكاسب الحزبية والشخصية. هذا الفصل المتعمد بين الأخلاق والواقعية هو ما يُسمم الفضاء العام ويُرسخ ثقافة انعدام الثقة.
حالة محمادي تحتوح في الناظور: مثال للكذب المُقنَّع
في السياق المحلي لإقليم الناظور وخاصة ببوعرك ، تُعد حالة البرلماني والمستشار الجماعي محمادي تحتوح مثالاً صارخاً على هذا الانحراف. فالرأي العام يتهمه صراحة بأنه لم يقدم للإقليم طوال تمثيله سوى الكذب والنفاق، مُركزاً جهده بالكامل لخدمة مصلحته الخاصة والضيقة. سلوكياته في جماعة بوعرك، حيث يتخذ موقع المعارضة لعرقلة مشاريع ذات بعد تنموي و مصيري ، يكشف عن طغيان المناورة السياسية القذرة على أبسط معايير الالتزام الأخلاقي والوطني. بالنسبة لساسته، يصبح الكذب والتعطيل أداة لضمان موطئ قدم انتخابي وشخصي، حتى لو كان الثمن هو تدمير آفاق التنمية في الإقليم.
إن تغليب المصلحة الشخصية والحزبية الضيقة على المصلحة العامة، كما يظهر في ممارسات محمادي تحتوح وغيره، لا يمثل فشلاً أخلاقياً فحسب، بل هو تدمير ممنهج للنسيج الاجتماعي والسياسي. عندما يتحول السياسي الغشاش إلى مجرد تاجر كذب ونفاق، تنهار الثقة بين المواطن والمؤسسات التمثيلية، ويصبح العمل السياسي كله مداناً ومشكوكاً فيه. هذا السلوك لا يُعلي من شأن “الواقعية”، بل يهوي بالعمل السياسي إلى أسفل درجات الانتهازية، مُبرراً بذلك الشعار الشعبي الذي يقول: “السياسة كذب”.
في الختام، تبقى السياسة ممارسة عملية تتطلب الحكمة وبعد النظر. المخرج من هذه الأزمة الأخلاقية يكمن في العودة إلى مفهوم التوازن الدقيق الذي نادى به الفيلسوف الفارابي، حيث يجب أن يتحلى السياسي بـ “التعقّل” و “جودة الرويّة”. السياسي الناجح ليس من يجيد الغش في الإمتحانات الجامعية و الكذب والمراوغة، بل من يستطيع الجمع بين الأخلاق والواقعية، بين المبادئ والنتائج. إن جعل السياسة أداة لخدمة الإنسان ورقيه، وليس وسيلة للهيمنة والمكاسب الزائفة، يتطلب التخلي عن الكذب كـ”خيار مدمّر”، والاعتراف بأن الثقة والصدق هما المبدأ الوحيد الذي يصنع قيادة قادرة على تحقيق المصلحة العليا بشكل مستدام.




