أكلت الغلة وسبت الملة … سونيا مورينو تكتب: “المغرب، الجار غير المريح”

أكلت الغلة وسبت الملة … سونيا مورينو تكتب: “المغرب، الجار غير المريح”
الريف 2410 أكتوبر 2025Last Update : 3 أسابيع ago

بقلم: هشام اسباعي

في الوقت الذي يستمر فيه المغرب في خوض معاركه الصامتة ضد الفقر والفساد والبيروقراطية، تطل علينا الصحفية الإسبانية سونيا مورينو بكتابها الجديد “المغرب، الجار غير المريح”، محاولة تقديم قراءة “موضوعية” للواقع المغربي، لكنها تسقط في فخ كلاسيكي يهوى إليه كثير من المراسلين الغربيين الذين أمضوا سنوات في الرباط ثم خرجوا منها بشعور أبوي مزيف: “لقد فهمت المغاربة أكثر مما يفهمون أنفسهم”.

الكتاب، الذي سيقدم في مليلية — المدينة التي لا تزال جرحا مفتوحا في الذاكرة الوطنية المغربية — يبدو من عنوانه وحده كأنه يصف علاقة استعمارية لم تندمل بعد… فمورينو تصف المغرب بـ”الجار غير المريح”، متناسية أن مليلية نفسها تقوم على وجود غير مريح فوق أرض مغربية! المفارقة ساخرة إلى حد يجعل العنوان أقرب إلى اعتراف غير واع بالذنب التاريخي.

مورينو تتحدث عن الفقر والتفاوت الاجتماعي والفساد وكأنها تكتشف القارة المفقودة، وكأن هذه الآفات لم تعرفها أوروبا قط.. تروي قصص النساء اللواتي لا يقدرن على دفع تكاليف الفحوصات الطبية، والشباب الذين يهاجرون بحثا عن الأمل، لكنها تنسى أن آلاف الإسبان أنفسهم عاشوا المأساة ذاتها في بلدها بعد أزمة 2008 وما تلاها… تحلل “الملكية” و”الدين” و”القمع السياسي” من خلف نظاراتها الأوروبية، لتصنع من المغرب مختبرا بشريا تجرى فيه التجارب الاجتماعية والسياسية من دون أن تلتفت لخصوصيات مجتمع له تاريخه وثقافته وموروثه.

الكاتبة تهاجم المغرب بلسان من عاش بيننا عشر سنوات “يأكل الغلة ويسب الملة”، تارة تتحدث عن “الأوليغارشية” التي تستأثر بالثروة، وتارة عن “الدولة البوليسية”، لكنها تتغافل عما يقع على بعد أمتار منها في مليلية نفسها من تمييز ضد المهاجرين الأفارقة والمغاربة، ومن ممارسات بوليسية موثقة بالكاميرات.. يبدو أنها لم تلتفت لتلك الصور لأنها لا تصلح لتغذية أسطورة الصحفي الغربي الذي “يواجه الاستبداد الشرقي”.

في إحدى مقابلاتها، تبرر مورينو بأن “صراعها ليس مع الملك”، وإنما مع “قوات الشرطة التي تتصرف دون رقابة”… عبارة ذكية من الناحية الدبلوماسية، لكنها تعكس جهلا بالبنية السياسية للمغرب، الذي لا يمكن اختزاله في معادلة بوليسية بسيطة… هي لا تدرك أن المغرب بلد معقد، ليس أبيض ولا أسود، وأن إصلاحاته – رغم بطئها – نابعة من صراع داخلي عميق لا يفهم إلا من عاشه من الداخل، لا من شرفة مراسل يكتب تقاريره وهو يحتسي القهوة في حي السويسي.

وإن كان في كتاب مورينو فضل ما، فهو أنه يعكس صورة الغرب عن المغرب كما هي: خليط من الانبهار والوصاية… فهي تظهر المغرب “ساحرا ومتناقضا”، “حديثا ومتخلفا”، “ثريا وفقيرا”… لكنها في النهاية تحاكمه بعقلية التفوق الأخلاقي الأوروبي… إنها تلك النظرة القديمة التي لم تتغير منذ زمن البعثات التبشيرية، فقط تغير القلم والمجلة، أما الرسالة فهي نفسها: “أنتم بحاجة إلينا لتفهموا أنفسكم”.

ربما كان على الكاتبة أن تسمي كتابها “المغرب، الجار الذي لا يشبهنا”، لأنه في الحقيقة لا يزعج أحدا بقدر ما يحرجهم، لا سيما حين يذكرهم بأن حضارته سبقتهم بقرون، وأن مشاكله لا تمنحه صفة “الجار المزعج” بل “الجار الذي لا يطابق النموذج الأوروبي”.

ختاما، لا أحد ينكر حق سونيا مورينو في النقد، لكن من حقنا أيضا أن نذكرها بأن الصحافة ليست سياحة فكرية، وأن الحديث عن بلد عاشرته سنوات يستوجب قليلا من الإنصاف وكثيرا من التواضع… فالمغرب ليس “جارا غير مريح” كما تقول، بل جار يقلق الضمير الأوروبي لأنه لا يزال يقاوم أن يكون تابعا.

Short Link

تابعونا على قناتنا على الواتساب: https://whatsapp.com/channel/0029VbBc9A46WaKp58LSVY3x

Comments

Sorry Comments are closed

Breaking News