سيليا تكتب: الانتقائية المقيتة … حين يصبح “التحرير” مطية للارتزاق

سيليا تكتب: الانتقائية المقيتة … حين يصبح “التحرير” مطية للارتزاق
الريف 243 غشت 2025Last Update : شهرين ago

في تدوينة عميقة ومشحونة بالرمزية كتبتها الفنانة الريفية سليمة الزياني، المعروفة باسم “سيليا الزياني” طرحت تساؤلا جوهريا حول تناقض بعض الأصوات التي ترفع شعارات “التحرر” و”الجمهورية” في سياق معين، بينما تصمت — أو بالأحرى تتواطأ بالصمت — تجاه قضايا أكثر وضوحا وشرعية في السياق نفسه. 

تدوينة الزياني، التي جاءت بعد زيارة عدد من المحسوبين على التيار الجمهوري للجزائر، لم تكن مجرد موقف شخصي عابر، بل كانت قراءة نقدية صريحة لواقع تعاني فيه المبادئ من التحوير والتطويع لصالح حسابات ضيقة.

فالحديث عن “التحرر” لا يستقيم حين يتحول إلى مطية انتقائية تركب متى ما كانت الرياح مواتية، وتطوى متى ما مست المصالح أو فتحت أبواب التمويل… فكيف يستقيم، على سبيل المثال، أن يطالب أحدهم بـ“تحرير الريف” من “الاستعمار المغربي”، وهو ذاته يحمل الجنسية الإسبانية ويقيم في مليلية تحت العلم الإسباني، دون أن ينبس ببنت شفة حول الوضعية الاستعمارية الصريحة لسبتة ومليلية والجزر المحتلة؟

بل الأكثر فجاجة، أن ذات الأصوات تبارك مشاريع دول أخرى تتعامل بوحشية مع قضايا الانفصال أو الجمهورية داخل حدودها، كما هو حال “جمهورية القبائل” في الجزائر، التي تقابل بقمع صريح واعتقال رموزها، في الوقت الذي يستقبل فيه من يرفع شعارات الجمهورية الريفية بالحفاوة والعدسات.

هذه المفارقة ليست مجرد تضارب في المواقف، بل هي تعرية لخطاب مأزوم يقوم على الازدواجية والانتهازية، حيث تتحول القضايا العادلة إلى أوراق تستخدم عند الحاجة، وتلقى جانبا حين تستدعيها الأخلاق والمبادئ.

وصفت سليمة الزياني هؤلاء بـ”المرتزقة”، وهذا وصف يبدو في محله، طالما أن البعض يتعامل مع “الفكر الجمهوري” لا كقناعة نضالية متجذرة، بل كـ”براند” سياسي قابل للتسويق في سوق الحقوقيين المأجورين… هؤلاء لا تعنيهم قضايا الأرض ولا الإنسان، بقدر ما تعنيهم مساحات الضوء والتمويل السياسي الدولي.

لقد أصابت الزياني حين أكدت أن الفنان الحقيقي يتضامن مع أي فنان مضطهد في أي مكان من العالم، لأن الفن لا يعترف بالحدود… لكنها في المقابل، كشفت عن حدود النفاق السياسي لدى من لا يجدون حرجا في رفع شعار التحرير في اتجاه واحد، ثم يلتحفون الصمت ــ وربما التواطؤ ــ تجاه قضايا أكثر شرعية.

إن من يتبنى فكرا تحرريا أو جمهوريا عليه أن يكون صادقا مع ذاته أولا، منسجما مع مواقفه ثانيا، وألا يقع في فخ “البطولة المزيفة” التي تجمع بين دور الضحية والجلاد، أو بين الثائر والعميل في آن واحد.

Short Link
Comments

Sorry Comments are closed

Breaking News