في مشهد يثبت أن بعض “الفضائح” لا تحتاج إلى تسريبات، بل تخرج من أفواه أصحابها بكل فخر وطمأنينة، خرجت المدونة مايسة سلامة الناجي لتروي بلسانها -وبكل بساطة- أن رئيس الحكومة عزيز أخنوش عرض عليها مليون درهم فقط مقابل “السكوت”! نعم، السكوت فقط، لا دفاع، لا تدوينات، لا تبرير… فقط أن تلتزم الصمت!
هذا الاعتراف الخطير الذي لم يأت من تحقيق صحفي أو وثائق مسربة، بل من صاحبة الشأن نفسها، يعيد إلى الواجهة سؤالا محرجا وملحا: كم عدد المدونين والصحفيين والمؤثرين الذين “سكتوا” وتغيرت لهجتهم بعدما جلسوا في سيارة أو على مائدة مع أخنوش؟
الطريف، أو بالأحرى المبكي، أن مايسة خرجت أصلا لتكذب الصحفي خالد لشهب الذي اتهمها بتسلم 75 مليون سنتيم و 60 ألف درهم مقابل مهاجمة عبد الإله بن كيران خلال فترة البلوكاج الحكومي… لكنها وهي تكذب لشهب، زل لسانها باعتراف أخطر: مليون درهم مقابل الصمت! (واش هذا نفي ولا إدانة ذاتية؟).
ما قاله لشهب وما اعترفت به مايسة يصب في مجرى واحد: اتهام مباشر وصريح لأخنوش بشراء الذمم وتدجين الأصوات المنتقدة… فإذا كانت مليون درهم تعرض على مدونة مشهورة مقابل “السكوت”، فكم يا ترى صرف من المال العام لشراء الذمم خلال الحملات الانتخابية، وأثناء الأزمات السياسية، وفي ظل الصمت الإعلامي المريب الذي نعيشه اليوم؟
إنه اعتراف لا يجب أن يمر مرور الكرام، لأن ما تم التصريح به يعتبر إقرارا بوجود سوق سوداء لشراء الأصوات والمؤثرين، وتشويه الخصوم، وتوجيه الرأي العام…. وقد آن الأوان أن يخرج السيد رئيس الحكومة عن صمته، ليس فقط لتكذيب أو تأكيد هذه الوقائع، بل ليوضح للرأي العام حجم الأموال التي تصرف من جيوب المواطنين لشراء الصمت والولاء.
فكما أن مايسة قالت إنها قد تقاضي لشهب بتهمة القذف، فإن من حق المغاربة أن يُطالبوا القضاء بفتح تحقيق رسمي في هذه الاتهامات، ومن حقهم أن يعرفوا مصير “السبعة عشر مليارا” التي طالب عبد اللطيف وهبي ذات يوم أن يرجعها أخنوش إلى خزينة الدولة… ويبدو الآن أننا بدأنا نرى أين اختفت تلك الملايير… في جيوب من سكتوا فجأة، أو غيروا مبادئهم في ليلة وضحاها.
ختاما، إذا كانت مايسة “بغات تكحلها”، فقد “عمتها”… وإن كنا بالأمس نطالب بحرية الصحافة، فإننا اليوم نطالب بحرية الصحفيين من سطوة المال، ومن لعنة المليون.
Sorry Comments are closed