في صيف كل عام، تستعد مدن المغرب لاستقبال أبناء الجالية المغربية المقيمة بالخارج، فتتزين الشوارع، وتعد البرامج والمهرجانات، وتشتد المنافسة بين المدن لجذب الزوار والمستثمرين، إلا أن مدينة الناظور، الواقعة في أقصى الشمال الشرقي للمملكة، اختارت طريقا مغايرا لهذا الموسم: استقبال أبنائها بـ”السياحة الروحية”، حيث لا مشاريع تنموية، ولا فضاءات ترفيهية، ولا حتى مظاهر الحد الأدنى من الاستعداد… فقط الصمت، والغبار، وروح التأمل في ما تبقى من المدينة.
ففي هذا الصيف، لا يبدو أن أبناء الجالية سيحملون معهم سوى الحنين وخيبة الأمل، بعدما تحولت الناظور إلى مدينة أشباح بكل المقاييس… بنية تحتية مهترئة، شوارع متآكلة، حدائق مهجورة، فضاءات عامة مقفلة أو مهمشة، ومشهد عام يوحي بأن عقارب الساعة توقفت منذ زمن بعيد… كل شيء في المدينة يبعث على الشك في وجود إرادة حقيقية لإصلاح ما يمكن إصلاحه.
وإذا كان مشروع تهيئة بحيرة مارتشيكا قد أطلق قبل سنوات بشعارات طموحة لتحويل الناظور إلى قطب سياحي دولي، فإن النتيجة اليوم لا تزيد عن بعض الصور الترويجية على مواقع الإنترنت، وبعض الحواجز الإسمنتية التي تقف شاهدة على مشروع تنموي اختنق في مهده… الوكالة المسؤولة عن المشروع، والتي حظيت بميزانيات ضخمة وصلاحيات واسعة، أخفقت في خلق دينامية حقيقية على الأرض، واقتصرت إنجازاتها على تسويق الوهم، بينما البحيرة نفسها تحولت إلى مساحة مغلقة على العموم، بلا روح ولا وظيفة.
أما المجالس المنتخبة محلياً، فإنها منشغلة بصراعاتها الداخلية وتبادل الاتهامات، غير مكترثة بموسم الصيف ولا باحتياجات آلاف الزوار القادمين من الخارج… المجلس الجماعي للناظور، كغيره من مجالس الإقليم، يعيش حالة شلل واضحة، فلا انسجام في الرؤية، ولا جرأة في اتخاذ القرار، ولا أثر لأي مشروع له علاقة بالسياحة أو الثقافة أو الترفيه… وكأن الجماعة اكتفت بتوفير الحد الأدنى من الإنارة العمومية لتقول إنها قامت بواجبها.
الجالية المغربية، التي ما فتئت تعبر عن ارتباطها بأرض الوطن، تجد نفسها اليوم أمام واقع مُحبط: لا مهرجانات، لا أنشطة ثقافية، لا متنفسات حقيقية للعائلات أو الشباب، ولا حتى إشارات بسيطة على أن المدينة تهتم بعودتهم الموسمية… واقع دفع بالبعض إلى إطلاق تعبير “السياحة الروحية” لوصف زيارتهم للناظور، باعتبار أن كل ما يمكن فعله هو التجوال في شوارع خالية، وتأمل فوضى التعمير، وتذكر أيام الزمن الجميل.
في المحصلة، تفتح مدينة الناظور أبوابها هذا الصيف لا على أمل جديد، بل على فصل جديد من الفشل المحلي… مدينة كان يفترض أن تكون بوابة المتوسط، لكنها أصبحت مجرد محطة مؤقتة في رحلة الإحباط، بفعل عبث سياسي، وسوء تدبير مزمن، وغياب رؤية تنموية واضحة… وحدها الجالية، بحنينها وصبرها، ما تزال تعود… ولكن إلى متى؟
Sorry Comments are closed