في وقت قياسي، أنهى توبياس تيبيرغ مشواره كمستشار للأمن القومي في السويد بعد تسريب صور قديمة له من حساب على تطبيق مواعدة، رغم أن الواقعة لا تتعلق بسوء استخدام للسلطة أو تبديد المال العام، إلا أن تيبيرغ قدم استقالته من منطلق أن من يشغل منصبا حساسا لا يملك ترف إخفاء أي معلومة قد تؤثر على ثقة الدولة فيه، حيث أن في السويد، مجرد الإخلال بالشفافية، ولو في الماضي، كفيل بإسقاطك أي مسؤول.
وعلى الطرف الآخر من أوروبا، في المغرب، المشهد مختلف تماما… رئيس الحكومة عزيز أخنوش وقف تحت قبة البرلمان ليؤكد بنفسه أنه استفاد من مشاريع حكومية أسندت عن طريق لجنة يرأسها، الاعتراف لم يكن تحت ضغط، بل جاء في سياق دفاع هادئ واثق، كما لو أن تضارب المصالح أمر طبيعي أو حتى مستحب، لم تطرح أسئلة عن المحاسبة، لم تتحرك مؤسسات الرقابة، ولم تصدر حتى بيانات سياسية تطالب بفتح تحقيق.
المفارقة صارخة: في السويد، تفهم المسؤولية على أنها التزام أخلاقي ومؤسساتي، يتطلب النزاهة الكاملة، بل وحتى الانسحاب الطوعي حين تهتز الثقة، في المغرب، تفهم المسؤولية غالبا كامتياز وظيفي يمنح الحصانة، ويبرر الجمع بين السلطة والمصلحة، تحت غطاء “القانون يسمح”.
ليس المشكل في أن المسؤول المغربي اعترف، بل في أن النظام السياسي لم يجد في اعترافه ما يستحق التوقف، لا أحد اعتبر أن الأمر يستدعي المساءلة، وكأن المسألة لا تعني شيئا، أو أن الشعب فقد حساسية الصدمة.
المقارنة بين السويد والمغرب ليست في حجم الدخل أو تطور البنى التحتية، بل في مدى رسوخ القيم المؤسسية… هناك، ينظر إلى المنصب كتكليف قابل للزوال عند أول خلل… وهنا، يعامل كغنيمة يدافع عنها حتى في وجه أكثر الفضائح وضوحا.
وفي النهاية، لا يمكن الحديث عن دولة قوية دون نظام أخلاقي يحكم مؤسساتها، ولا يمكن بناء الثقة دون مساءلة، تيبيرغ لم يطرد، بل استقال احتراما للثقة… أما عندنا، فالثقة تخرق علنا … ولا أحد يتحرك.
Sorry Comments are closed