تعيش أقاليم الريف الكبرى، وعلى رأسها الناظور والحسيمة والدريوش، على وقع أزمات اقتصادية واجتماعية خانقة، ألقت بظلالها القاتمة على واقع الشباب والمواطنين عامة، فهذه الأزمات، التي تتفاقم سنة بعد أخرى، دفعت الآلاف من شباب المنطقة إلى ركوب قوارب الموت هربا من البطالة، بينما بات من تبقى منهم يحلم بالرحيل، بعد أن ضاقت بهم سبل العيش وأغلقت في وجوههم آفاق المستقبل.
وما يزيد من حدة المأساة هو ما يبدو أنه تواطؤ بالصمت والتوازي مع السياسات الحكومية الممنهجة، التي فشلت في إطلاق أي مشروع تنموي حقيقي يعيد الحياة لهذه الأقاليم المهمشة، فرئيس الحكومة، عزيز أخنوش، الذي وعد بالنهوض بالعالم القروي والتنمية الجهوية، أدار ظهره للريف كما فعل سابقوه، مكتفيا بالشعارات الرنانة والخطابات الموسمية.
أما البرلمانيون والمنتخبون المحليون، الذين من المفترض أن يكونوا صوت المنطقة وهمها في قبة البرلمان، فقد اختاروا التطبيع مع هذا الواقع المأزوم، وركنوا إلى الصمت أو إلى التبرير، بل بلغ ببعضهم حد “التطبيل” للسياسات الحكومية، بدل الاصطفاف إلى جانب الساكنة ومطالبة المركز برفع الحيف التنموي عن الإقليم.
الإعلام بدوره لم يكن استثناء، حيث سقطت كثير من المنابر في فخ المهادنة، وصارت أدوات لترويج الخطاب الرسمي، متخلية عن أدوارها الحقيقية في النقد والتوجيه، وفي نقل صوت المواطن الريفي المغلوب على أمره.
الفاعل المدني والجمعوي، الذي طالما شكل صوتا حرا في لحظات مفصلية، أُخضع بدوره لمنطق “الموالاة أو الإقصاء”، فاختار كثير من نشطائه ركوب موجة التطبيل، بل وتحول بعضهم إلى أذرع دعائية تهاجم كل من تسول له نفسه توجيه انتقاد لسياسة الحكومة، أو المطالبة بالكرامة والعدالة الاجتماعية للريف وساكنته.
إن ما يعيشه الريف اليوم هو أزمة مركبة، تتجاوز حدود الاقتصاد إلى عمق سياسي وثقافي، حيث لم تعد المنطقة تعاني فقط من قلة الاستثمار أو ضعف البنية التحتية، بل أصبحت تتعرض إلى سياسة إخماد الأصوات الحرة وشيطنة كل محاولة للنقد أو المطالبة بالتغيير.
إن الريف لا يحتاج لمزيد من “التطبيل”، بل إلى جرأة سياسية وإعلامية ومدنية تعترف بالأزمة وتعمل على تجاوزها، قبل أن تتحول مشاعر الغضب والإحباط إلى انفجار اجتماعي لا يمكن التنبؤ بعواقبه.
Sorry Comments are closed