أصدرت إدارة السجن المحلي الناظور 2، يوم 22 شتنبر 2025، بلاغا رسميا حول وضعية نزيل يبلغ من العمر 69 سنة (ش.ع.م)، في محاولة للرد على ما نشرته بعض المواقع الإلكترونية من أخبار تفيد حرمانه من التواصل مع أسرته ونقله قسرا إلى مصحة السجن.
البلاغ جاء بلغة حاسمة حاولت نفي كل الادعاءات، غير أن التدقيق في مضمونه يكشف تناقضات واضحة تقوّض مصداقيته وتدفع إلى طرح تساؤلات جوهرية.
فقد أكدت إدارة السجن أن النزيل المعني “يستفيد بانتظام من خدمة الهاتف خارج غرفته”، وأنه أجرى مكالمات هاتفية مع أفراد أسرته خلال أيام الخميس والجمعة والسبت والأحد.
لكن عند التدقيق في التواريخ، نجد أن يوم الخميس صادف 18 شتنبر 2025، بينما البلاغ نفسه يشير إلى أن النزيل نقل إلى مصحة السجن يوم الجمعة 19 شتنبر… وهنا يبرز السؤال المنطقي: كيف يمكن لسجين أن ينقل يوم 19، وفي الوقت نفسه يقال إنه أجرى مكالمة هاتفية “خارج غرفته” يوم الخميس 18؟.
هذا التناقض لا يمكن تبريره بخطإ بسيط في الصياغة، بل يعكس تسرع المؤسسة في إصدار بلاغ هدفه الأول ليس إنارة الرأي العام، وإنما إطفاء الجدل الذي أثير حول وضعية السجين.
الأدهى من ذلك أن الحديث عن “مصحة السجن” يطرح بدوره علامات استفهام عريضة، إذ أن المؤسسة لا تتوفر على طبيب رئيسي، وغالبا ما يتم نقل الحالات الحرجة بشكل منتظم إلى المستشفى الإقليمي بالناظور، وهو ما عاينه الموقع في أكثر من مناسبة… فكيف إذن تقدم للرأي العام صورة عن “غرفة مجهزة بالرعاية الطبية اللازمة” داخل مصحة السجن، بينما الواقع يفيد عكس ذلك تماما؟.
الواضح أن إدارة السجن اختارت السرعة على حساب الدقة، وقدمت بلاغا دفاعيا يفتقر إلى التماسك، بدل أن تنخرط في تواصل مسؤول قائم على الشفافية وتوضيح الحقائق بالأدلة.. وهنا يبقى السؤال قائما: هل الغاية من مثل هذه البلاغات هي تفنيد “المعلومات الخاطئة”، أم تفنيد الحقيقة ذاتها مهما كانت تكلفته؟.
إن المؤسسات السجنية وجدت أساسا من أجل إعادة تهذيب وإدماج النزلاء، لا من أجل تعريضهم للإهمال أو الالتفاف على معاناتهم ببلاغات مرتجلة… فالمجتمع ينتظر من إدارة السجون أن تحسن التواصل وأن تصون كرامة النزلاء، لا أن تزيد من شكوك الرأي العام عبر روايات متناقضة تفتقد إلى الحد الأدنى من المهنية.